الوساطة العربية- مفتاح استقرار سوريا وتجنب الفتنة الطائفية.

المؤلف: بشرى فيصل السباعي10.01.2025
الوساطة العربية- مفتاح استقرار سوريا وتجنب الفتنة الطائفية.

لم يكن العصيان الذي اندلع مؤخرًا في أرجاء سوريا من قبل بقايا النظام السابق، والذين يشتملون على أفراد مطلوبين للعدالة لارتكابهم جرائم شنيعة ضد الشعب في عهد النظام البائد، أمرًا مستغربًا. ومع ذلك، لتفادي اتساع نطاق هذا التمرد استنادًا إلى التعصب والانفعالات الطائفية، فمن الضروري وجود مساعٍ حميدة عربية تعمل على تحييد تأثير هذه النزعات العصبية والطائفية، وتسعى جاهدة للتوفيق بين مختلف الطوائف ونظام الحكم الجديد؛ بغية تحقيق الاستقرار المنشود في سوريا وعزل العناصر المحرضة على الفتنة والشغب عن حاضنتها الشعبية، وبالتالي الحيلولة دون وقوع ضحايا مدنيين خلال عمليات إخماد هذا التمرد.

فإذا لم تتدخل أطراف عربية لاحتضان كافة الطوائف في سوريا والعمل على التقريب بينها وبين نظام الحكم الجديد، فقد تستغل أطراف إقليمية أخرى هذا الصراع الدائر لكسب ولاء هذه الطوائف المتناحرة، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتنامي الإرهاب الطائفي وتوسع دائرة التمرد. فالوضع الراهن في سوريا يتطلب اتفاقًا طائفيًا جديدًا على غرار ذلك الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، والذي أرسى أسس الوفاق بين مختلف الطوائف اللبنانية بوساطة سخية من المملكة العربية السعودية.

لقد بادرت المملكة العربية السعودية منذ الأيام الأولى لتولي النظام الجديد زمام الأمور إلى مد جسور من المساعدات الإنسانية والخدماتية، وقدمت دعمًا دبلوماسيًا لا محدود لنظام الحكم الجديد في المحافل الدولية كافة، مما يجعلها مؤهلة أكثر من غيرها للعب دور الوسيط النزيه بين الطوائف الخاضعة لتجاذبات فلول النظام والقوى الإقليمية الأخرى وبين نظام الحكم الجديد، حتى لا يخرج الوضع في سوريا مجددًا من الإطار العربي إلى عبث وتلاعب القوى الإقليمية التي لا ترغب في الاستقرار لسوريا ولبقية الدول العربية، وتسعى إلى النفخ في نار أي فتنة داخلية ودعم أطرافها المتنازعة بهدف زعزعة استقرار الدول العربية.

يمكن للجهات الوسيطة فتح قنوات تفاوض مع بقايا النظام المخلوع لإنهاء تمردهم بشكل سلمي، حتى لو تطلب ذلك إبرام صفقات معينة؛ لأن العمل على إنهاء تمردهم بالقوة العسكرية قد أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين، وشهد تجاوزات من قبل عناصر فردية أساءت إلى سمعة الحكم الجديد وشابهت الممارسات التي كانت سائدة في عهد النظام البائد، وهذا يشكل خطرًا جسيمًا وضررًا بالغًا على نظام الحكم الجديد؛ لأنه يفقده المشروعية الأخلاقية على الساحة الدولية، خاصة في ظل وجود موقف دولي وإعلامي عالمي لا يزال غير ودي تجاه نظام الحكم الجديد في سوريا؛ لأن نواته الأساسية عبارة عن جماعة إسلامية كانت خاضعة لعقوبات دولية، وهي تتربص بمثل هذه الحوادث الفردية لتضخيمها وتصويرها على أنها سياسة طائفية ممنهجة يتبعها النظام الجديد، في حين تتجاهل وسائل الإعلام أخبار القبض على العناصر المتورطة في مقاطع التجاوزات.

وقد دخلت إسرائيل على الخط بإعلانها تبني قضية الدروز في سوريا، ووصلت إلى درجة تهديد النظام الجديد بشأنهم، وأعلنت عن إرسال مساعدات عاجلة لهم، مع العلم أنه قام مؤخرًا وفد من مشايخ دروز سوريا بزيارة علنية لإسرائيل، وهنا يكمن الخطر الحقيقي لاستغلال الأطراف الإقليمية للطوائف في سوريا، وقد بدأت البوادر تلوح في الأفق من خلال هذا التدخل الإسرائيلي السافر الذي يضاف إلى سجل إسرائيل الحافل بعمليات القصف المستمر للمنشآت السورية وانتشار قواتها البرية على الأراضي السورية، مما يمس بأمن واستقرار وسيادة سوريا ويشكل استفزازًا مستمرًا لنظام الحكم الجديد.

لذا، فإن الوساطة العربية ستكون الحاضنة البديلة عن إسرائيل وروسيا وغيرهما، وستشكل خطابًا إعلاميًا يحض على التوافق بدلًا من الخطاب السائد حاليًا في مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا، والذي يحض على الفتنة ويهيج الحمية والعصبية الطائفية مستغلًا أعمال تمرد فلول النظام المخلوع والتجاوزات الفردية التي حصلت ضمن عمليات إخماد التمرد. فالجهد الدبلوماسي العربي سيشكل خطاب توافق بديلاً عن خطاب الفتنة الطائفية، كما فعل اتفاق الطائف الذي أنهى خطاب التهييج الطائفي وقلبه إلى خطاب الوفاق الوطني. فالوضع في سوريا مرشح للمزيد من التأزم وعدم الاستقرار إذا لم تتدخل وساطة عربية. ومثل هذه الأحداث تمنع عودة اللاجئين، لأنها توحي بانعدام الأمان والاستقرار والفوضى الأمنية العارمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة